%D9%8A%D9%88%D9%85%20%D8%B9%D8%A8%D8%B1%20%D8%AE%D9%84%D9%8A%D9%84%D9%8C%20%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B3%D8%B1 - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


يوم عبر خليلٌ الجسر
إياد عماشة - 05\01\2009

السادس من حزيران 1982 تاريخ يشبه اليوم كثيرا..
شخص ملأ الأرض عنفوانا..
خطواته الواثقة التي كانت تنهب حجارة الأرصفة البيروتية التي رصفها بيديه يوم عمل في البناء بعد موت والده... عفن الأرض .. الوجوم المخيف.. رائحة البارود النفاذة.. كلها أشياء تزكم الفكر...
رائحة الموت هي وحدها التي جعلت من عقله شرقا جديدا... جملته الأخيرة: "مين بدو يشيل هالذل عني.. أين العرب"؟؟ كانت تدوي وتسقط في قحاف العالم المتحضر لتصم أذانهم الصامتة حتى عن سماع أصوات قذائف الآلات الذكية.. هي جملته الأخيرة التي قالها في المقهى قبل انتحاره بقليل!! عاد خليل حاوي الى بيته ونثر بعدها ما بقي في رأسه من فكر على شرفته المظلمة, سقط رأسه الجميل بجانب فتحة تصريف المياه فسال شرقه القاني في شرايين بيروت الأسيرة...

أعداء خليل يروقهم هذا السيلان، لم يعلموا أن سيلان شرقه الجديد هو جحيمهم... كانوا يجهلون أن بندقية الصيد التي فتحت رأس خليل ستفتح جحورا للخفافيش في دباباتهم... المقاومة الوطنية اللبنانية التي زفها حاوي باناشيده عبرت الجسر خفافا.. إلى شرق جديد.. شرق حاوي الذي رسمه بدمه وبقلمه.. بعلمه وجنونه...

كانت فكرة أن يبصر جيش العدو يختال في شوارع بيروت هي الشرارة التي فجرت روحه، فلم تعد تلك الأخيرة غالية.. وكان أجدى لها النزيف على الشرفة لتكتب قصة صراع جديد بين المادة والروح.

كثيرون هم من قالوا أن انتحار خليل حاوي غداة الاجتياح الإسرائيلي لبيروت لا يزال غامضا..!! وعصيا عن الفهم..!! الآن بالنسبة لي أصبح انتحاره أوضح من أي وقت مضى.. إنه واضح وضوح الشمس.. إنه حب الحياة لا لبس فيه.. كان انتحار حاوي طلبا للحياة لا أكثر.

اليوم نقف على مفترق الطرق الذي وقف عليه خليل حاوي يوم عاد من المقهى خجلا من الذل الذي حمله.. متأبطا شوارع بيروت الحزينة... صعد إلى بيته, مر من غرفته المطرزة بكتبه، وحمل بندقية الصيد من خزانة والده، واتجه إلى الشرفة، وأفلت العنان لشرقٍ مغسول بزيت ونبيذ أن يتناثر ليروي ضمأنا للحياة.. نقف وقفته وعلينا أن نختار: إما الحياة أو الحياة، لا وقت لمنفىً أخر ولا لشهادات أخرى.. نطلب فقط الحياة.. ولتكن على طريقة خليل حاوي إن لم يكن بد لذلك..